Go back

February 20, 2023

اليكم مميزات الجامعة اللبنانية

اليكم مميزات الجامعة اللبنانية
الجامعة ال#لبنانية تبدو اليوم يتيمة لفقدانها دعم الأب (أي الدولة) وحنان الأم (أي أهلها). ولذا، فإن هذا البحث سوف يعالج الأسباب الجوهرية التي أوصلت الجامعة الوطنية على ما هي عليه من خوف على المصير؛ هذا المصير الذي بات بحكم مسؤولياتها الأكاديمية والوطنية مرتبطاً عضوياً بمصير الوطن اللبناني، تماماً كما جاء في المادة الأولى من قانون إعادة تنظيم الجامعة رقم 75/67 الصادر بتاريخ 26-12-1967.

وهكذا، وعلى عكس كل مؤسسات التعليم العالي العاملة على الأراضي اللبنانية، يبقى دور الجامعة اللبنانية استثنائياً على المستويين العلمي – المعرفي والوطني – الإنساني. فإن كانت ولادة الجامعة ثمرة نضال الطلاب والأساتذة وبعض القادة الوطنيين، فإن أزمتها اليوم هي نتاج منظومة فاسدة ومفسدة ارتقت بافتئاتها على حقوق الجامعة، وبسلب استقلاليتها، وبجعلها بؤرة للتجاذبات المذهبية، ارتقت إلى مستوى الخيانة الوطنية. إن صراع الجامعة اللبنانية، مرتبط أشد الارتباط بصراع الوحدة والتجزئة داخل المجتمع اللبناني الحديث والمعاصر. هذا يعني أن النظرة الخاطئة إلى مفهوم التعدّدية الثقافية وربط ذلك بالنظام الطائفي – الطبقي المتحكم بمفاصل الحياة اللبنانية قد أساءت إلى المجتمع نفسه، وأعاقت بناء الدولة الحديثة، ومنعت تطوّر الجامعة اللبنانية.
تتميز الجامعة اللبنانية عن سواها من الجامعات والمعاهد الخاصة، لا في أنها الأكبر من حيث عدد الكليات والاختصاصات والطلاب، بل أيضاً أنها الأوسع ديموقراطية من حيث وجود كل الفئات الاجتماعية فيها. يكفي أن نشير إلى أن خريجينا لا يتنافسون مع أحد لأنهم الأوائل، وفي كافة الاختصاصات. وكعميد لكلية الحقوق والعلوم السياسية والإدارية أعتز بالقول إن الأوائل في امتحانات مجلس الخدمة المدنية ومعهد الدروس القضائية والمعهد الدبلوماسي وكتاب العدول ونقابتي المحامين هم من طلابنا. وغير بعيد عن فرق المستوى، فإن نسبة حملة الدكتوراه بين أفراد الهيئة التعليمية في الجامعة الوطنية هي الأولى بين أساتذة كل الجامعات على الإطلاق.

ويمكننا تفنيد مميزات الجامعة على النحو التالي:
  • اكتسبت الجامعة صفة الجامعة الوطنية بحكم القانون الذي أوكل إليها مهمة تعزيز القيم الإنسانية.
  • ردمت الجامعة الهوة الاجتماعية بين الريف والمدينة، بين الغني والفقير، عندما شرّعت أبوابها لجميع الطلبة وبرسوم تسجيل رمزية، أي بدون أقساط مالية، ما كرّس ديموقراطية التعليم العالي، كما كرّس الجامعة كجامعة الأذكياء.
  • تعدّد مصادر شهادة الدكتوراه للأساتذة من ثلاث وثلاثين دولة، مما أحدث غنًى علمياً وثقافياً في الجسم الجامعي.
  • إنها جامعة الوطن لكونها تشكل مساحة فريدة للعيش معاً ما أعطى لبنان معنى وجوده وقيمته.
  • طلاب الجامعة اللبنانية هم طليعة النضال المدني في لبنان؛ هم أبناء الحياة، وعليهم يبقى الرهان في بناء الدولة العلمانية المرتجاة.
جامعة الوطن اليتيمة: هذه الجامعة التي أدت على مر السنين الدور المميز في خدمة الطالب والمجتمع، تتعرض منذ تأسيسها لحملة ممنهجة ومسيئة لها على أيدي والديها. لقد بدا واضحاً أن النظام الطائفي لا يستسيغ أو يتحمل وجود جامعة وطنية تخرج طلاباً عابرين للمذاهب وللطوائف. فمنذ اتفاق الطائف، المسؤول عن مذهبية الحياة العامة سياسياً واقتصادياً وتربوياً، نلاحظ أن مسؤولين، ومنهم وزراء للتربية، شاركوا في إحياء النهج القديم بإعادة المجد للتعليم الخاص. وقد اشترك كثر من أهل الجامعة، وخاصة الحزبيين منهم، في هذه الحملة، خالطين بين حرية إبداء الرأي وبين الفِرْية، أي الكذب والاختلاق للوقائع غير الصحيحة بهدف إلصاق تهمة خاطئة بالجامعة أو العاملين فيها. وهذه الفرية لا تدخل ضمن نطاق الحرية لكونها نقيضها لما تشكله من مساس بالكرامة والسمعة والمقام.

لقد أخضع اتفاق الطائف، المسؤول عن إنتاج دولة ضعيفة ومنظومة فاسدة، قطاع التربية والتعليم لتجاذبات طائفية ومذهبية أعاقت تقدّمه، وكانت حجر عثرة أمام تقدّم البلاد وبناء الدولة العادلة والمجتمع المتماسك. وهذا ما دفع برئيس الجامعة السابق، الدكتور أسعد دياب، إلى طرح شعار: «ارفعوا أيديكم عن الجامعة اللبنانية». يضاف إلى ذلك أن «الذهنية الانتدابية» هي التي تتحكم بعمل المسؤولين في لبنان؛ إنها ذهنية تشجيع قطاع التعليم الخاص وإهمال التعليم الرسمي.

هذا غيضٌ من فيض بالنسبة لأهل الجامعة، فماذا عن مقاربة الأب (أي الدولة) لقضايا الجامعة؟ لم يتردّد أصحاب القرار من السياسيين في الافتئات على استقلالية الجامعة. فالجامعة مؤسسة عامة مستقلة تعيِّن موظفيها الفنيين والإداريين، وتدير أموالها الخاصة، وتختار أساتذتها، وتضع البرامج والأنظمة التعليمية والبحثية، وتبرم عقد النفقات. نعم، الجامعة اللبنانية هي مؤسسة عامة مستقلة، وسلطة الوصاية عليها من جانب وزير التربية والتعليم العالي هي في حدود ما ينص عليه القانون.
منذ عام 1990 نلحظ مساراً طويلاً من الافتئات على حقوق الجامعة واستقلاليتها من جانب السلطة الحكومية ووزارة الوصاية. ويمكننا ملاحظة ذلك على النحو التالي:
  • تحويل جزء من الرسوم المستوفاة لصالح الجامعة إلى الموازنة العامة؛ إضافة إلى تقليص مساهمة الدولة في الميزانية السنوية للجامعة على الرغم من زيادة النفقات بفعل زيادة أعداد الطلاب وإنشاء كليات جديدة.
  • قرار مجلس الوزراء بتاريخ 19-3-1997 (القرار رقم 42 الشهير) وقف التعاقد للتدريس في الجامعة إلا بموافقة مجلس الوزراء.
  • جعل عقود التدريس بالساعة «عقود مصالحة»، وإخضاعها لموافقات عدة من قبل هيئة التشريع والاستشارات في وزارة العدل إلى ديوان المحاسبة، فضلاً عن وزير الوصاية والمرجعيات الدينية والدنيوية.
  • حرم قانون الموازنة لعام 2014 (المادة 74 منه) الجامعة من إجراء مباراة تعيين موظفيها. كل هذا شرع الأبواب أمام التدخلات السياسية في شؤون الجامعة وجعلها «مرتعاً» للتجاذبات المذهبية.
وهذه التدخلات تمظهرت على النحو التالي:
  • التدخل في أعمال مجلس الجامعة واجتماعاته، والضغط (ترغيباً أو ترهيباً) على أعضاء المجلس لتمرير مواقف معيّنة.
  • الضغط على الجامعة، رئيساً ومجلساً، في ما يخصّ الأمور الأكاديمية، ومناقلات الموظفين في الجامعة.
  • تأخير البت بمعاملات الجامعة التي تحتاج لتوقيع وزير الوصاية، حتى لو أدّى ذلك إلى تأخير دفع الرواتب.
  • منع رئيس الجامعة من تعيين مدير لأحد الفروع، خاصّة إذا كان مذهب المدير العتيد مغايراً لمذهب المدير السابق، لأن ذلك يعرّض المذهب والطائفة لخطر وجودي.
  • إبرام عقود التعاقد بالساعة مع خريجي الجامعات الخاصة على حساب خريجي الجامعة اللبنانية.


إن التدخلات السياسية تتمظهر في كل مفاصل الحياة الجامعية. ومؤسف القول إن بعض أهل الجامعة، وخاصة المكاتب الحزبية التربوية، عملوا، ولم يزالوا، على تسخير الجامعة خدمةً لمصالح أصحاب العصبيات المذهبية المريضة. وهكذا باتت الجامعة اليوم محرومة من مساندة الأب (الدولة) وحنان الأم (أهلها).

وعلى الرغم من كل هذا، تبقى الجامعة اللبنانية سدرة التعليم العالي وموئل المعرفة الأول. وهذا الرأي يستند إلى معيار واحد، وهو ما يحققه خرّيجونا من إنجازات في كافة الاختصاصات وعلى كل الأصعدة الوطنية والإقليمية والدولية.



المصدر: النهار
البروفسور كميل حبيب

عميد كلّية الحقوق والعلوم السياسية والإدارية – الجامعة اللبنانية

© 2025 Sperare